الأحد، 10 مارس 2019

ورشة تدريبية (مهارات في كتابة البحوث التاريخية)


ورشة تدريبية (مهارات في كتابة البحوث التاريخية)


أقام مركز الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها الورشة التدريبية لطلاب وطالبات الدراسات العليا بالتاريخ بعنوان (مهارات في كتابة البحوث التاريخية) والتي عقدت يوم الاربعاء 29 / 6/ 1440 هـ من الساعة التاسعة حتى  الساعة الواحدة بعد الظهر قدمها  الأستاذ الدكتور خالد بن عبدالكريم البكر  " عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود بدأت الورشة بالترحيب بالدكتور والطلاب والطالبات المشاركين ثم  تحدث الدكتور خالد عن أهمية  الورشة وكيفية ولادة الموضوع البحثي  للطلاب والطالبات وذكر ان الخطأ الشائع ان  الطالب يبدأ بالتفكير في موضوع البحث بعد الاختبار الشامل وهذا خطأ، وعن عدة مهارات مهمة في كتابة البحوث التاريخية .وذكر انه يجب ان يكون لدى الباحث قلق معرفي باستمرار ويجب اثارة المشاكل العلمية باستمرار وأن الباحث يجب عليه حينما يفكر بموضوع ان يخلق تساؤلات صعبة هذه التساؤلات يكون فيها سؤال كبير يجب ان يكون حاضر وان يجسد في البحث، وذكر مثال : المساجلات المكتوبة بين ابو جعفر المنصور ومحمد النفس الزكية وذكر انه هنا ظهر قرن جديد من الصراع الإعلامي والنزاع السياسي – ايضا ظهور نزاع سياسي جديد بين بنو هاشم نفسهم . وضح بهذا المثال رصد قيمة هذه المساجلات في تأسيس العبارات والهدف من هذه المساجلات هو غرس الشرعية – رصد قيمة المساجلات الشرعية والسياسية وتحدث ايضا المدرب عن الدراسات السابقة وهي في الحقيقة دراسات حديثة " مراجع " اما رسائل جامعية او مؤلفات او مقالات علمية نشرت في مجلات علمية محكمة وليس صحافه و انه يجب ان يتعامل الباحث مع الدراسات السابقة ويكون نقده بناء عن مرحلة جمع المعلومات ويجب ان يصاحبها تعليقات وملاحظات و عن النص في المصدر التاريخي  وذكر انه يتكون من : رأي – خبر – وثيقة .والمأمول ان الباحث يفرق بينهم ويكون عنده المهارة في التفريق تحدث عن أهمية التلخيص واشار انه لابد ان يقرا الباحث في الادب ويكون له قاموسه الخاص بالكتابة حتى تكون كتابته فاخرة.
ويناشد الدكتور خالد الطلاب والطالبات بالابتعاد عن " العكازات اللغوية "وهي عدم قدرته على بناء جمله بحثية تاريخية ويوضح بها وضع النتائج كنقاط في الخاتمة يجب ان تكون لديك مهارة الكتابة وتعلم كيف تربط السابق باللاحق والابتعاد عن العكازات اللغوية .تطرق ايضا عن التحليل : متى يكون ومتى لحظته ؟ ويقول هذا امر مهم جدا  ان تكتب في التاريخ وهو من الماضي وتفكر في المستقبل من خلال الموضوع " حضور  المستقبل في الماضي " الابداع يتكون من النظرية والتنبؤ النظرية : ان تبني نظام فكري حول ظاهرة او مجموعة متجانسة التنبؤ : صور من صور الابداع في الكتابة تدرك الظواهر المتجانسة وامكانية وقوعها مستقبلا وادت الى نتائج متتالية . مثال / ابن خلدون وكتابته عن الغالب والمغلوب .ايضا تحدث عن التحرير والصياغة : ويقصد بها الامانة العلمية والموضوعية والتجرد الكامل من الاهواء والميول وعدم الاسراف في القدح والمدح والابتعاد عن الغموض . ويحذر الدكتور طلابه من السجع في كتابة التاريخ " التاريخ لا يحتمل " تحدث عن الملاحق وقال : يجب ان يكون فيها اضافة – شي جديد- غير مألوف، وفي نهاية الورشة التدريبية فتح باب النقاش والمداخلات من الطرفين. بتفاعل جميل من الطالبات والطلاب وشكر المدرب مركز الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها على تبنيه هذه الورشة التدريبية وخاصه الاستاذ الدكتور عبد الله بن ناصر السبيعي وشكر الطلاب والطالبات الحاضرين للورشة. 

دراسة تاريخية وثائقية القنصليات الأجنبية في جدة 1252-1344هـ


أصدر مركز الملك سلمان للدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها كتاباً بعنوان (القنصليات الأجنبية في جدة 1252-1344هـ/1836-1925م دراسة تاريخية وثائقية) عدد صفحاته 431 صفحة ويحتوي الكتاب ثلاثة فصول موزعة على النحو التالي الفصل الأول نشأة القنصليات الأوروبية وتنظيماتها وجاء في الفصل الثاني الموظفون والرعايا الأجانب وعلاقاتهم مع السلطة والأهالي وخص الفصل الثالث تقارير القناصل حول جدة.
تعرض هذا الكتاب لموضوع مهم يبرز دور القنصليات الأجنبية في جدة خلال مرحلة تاريخية مهمة أعلنت فيها بداية الأعمال القنصلية المنظمة وأصبحت جدة مركزاً للنشاط الدبلوماسي الأوروبي وذلك من حيث نشأة هذه القنصليات ودراسة ما يتعلق بها من أمور ومسائل تنظيمية ودراسة شؤون الرعايا الأجانب فضلاً عن دراسة العلاقة بين الأهالي وهذه القنصليات ثم استعرض مفصل لتقارير القناصل الأجانب التي أرسلوها إلى بلادهم خلال تلك الفترة.

الاثنين، 4 مارس 2019

قراءة في كتاب موقف الملك عبدالعزيز من أزمة الغذاء في مكة




المؤلف هو: أحمد يحيى آل فايع، والكتاب: موقف الملك عبدالعزيز من أزمة الغذاء في مكة المكرمة سنة 1343هـ - (1925م)، اصدارات مركز الملك سلمان لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها ، 1433هـ - (2012م).
بيَّن الباحث في أول حديثه أن مرحلة ضم الحجاز هي المرحلة المهمة والحاسمة في توحيد مناطق الجزيرة العربية؛ لما يمثّله الحجاز من أهمية سياسية ودينية واقتصادية للعالمين العربي والإسلامي. كما أن الأزمة الغذائية التي مرت بها منطقة الحجاز وخاصة؛ مكة المكرمة خلال الفترة الواقعة بين دخول قوات الملك عبدالعزيز مكة وبين استيلائه على جدة، تعد من أهم وأصعب الأزمات التي مرت بها منطقة الحجاز وخاصة؛ مكة المكرمة، واتخذت هذه الأزمة بعداً سياسياً، واقتصادياً، ولكن الملك عبد العزيز استطاع وبدبلوماسيته وحسن إدارته للدولة من تجاوز هذه الأزمة؛ بل واستطاع تطويع هذه الظروف لصالحه.
تناول الباحث أسباب الأزمة الاقتصادية، متحدثاً عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية في الحجاز، وتأثير الوضع السياسي المتوتر بين الملك عبدالعزيز والشريف حسين في تلك الفترة من تاريخ الحجاز. فبعد هزيمة الشريف حسين في معركة تربة عام 1337هـ - (1919م)، وما أعقبها من أحداث ساهمت في زعزعة الوضع السياسي، والعسكري والاقتصادي. وقد وجدت القبائل الحجازية مجالاً لتهديد قوافل الحج وقوافل التجارة القادمة إلى مكة المكرمة، ثم تجاوز الأمر إلى قيام هذه القبائل بفرض أتاوات على قوافل الحج والتجارة فيما بين مكة والمدينة.
لم يستطع الشريف حسين السيطرة على الوضع في المنطقة خاصة؛ بعد تناقص الدعم المالي البريطاني، الذي كان يجعل منه الشريف حسين وسيلة لكسب ولاء القبائل، مما اضطره إلى معالجة الموقف الاقتصادي حفيظة أهل الحجاز، فلجأ إلى زيادة الضرائب على النقل، ورفع الرسوم الجمركية، وحظر تصدير الذهب، وزيادة معدل تبادل العملات، وفرض ضريبة المياه والدفن. ولكن هذه المعالجة أدت إلى تأجيج الوضع الأمني بين القبائل، وإثارة حفيظتها.
لم تقتصر هذه الظروف على الوضع الداخلي للمنطقة؛ بل تجاوزتها إلى خارج الجزيرة، فبعد أن تلقب الشريف حسين بالخلافة، أثار ذلك الأمر حفيظة الملك فؤاد، وقام بعدة إجراءات ضد المنطقة منها رفض حكومة الحج المطالب المصرية بفتح مستشفيين في جدة ومكة، وعودة المحمل المصري ومعه كسوة الكعبة، وقطع الإعانات والأتاوات الموقوفة في مصر على أهالي الحجاز.

دخلت القوات السعودية الطائف في صفر 1343هـ - (سبتمبر 1924م)، وهذا أصاب السكان بالهلع، فهرب العديد من السكان إلى قرى الحجاز، ونزح أغلب أهل مكة وخاصة الطبقات الاجتماعية الغنية، وميسورة الحال إلى جدة. بقي في مكة ذوي الدخل المتوسط والقليل من التجار، وهذا بلا شك كان له تأثيره على الوضع الاقتصادي في مكة.
ساهم التشويه الإعلامي الذي قام به الشريف حسين ضد الملك عبدالعزيز في انقطاع زوار البيت الحرام، والتجار من خارج الجزيرة، وكان لكل ما سبق تأثيره الاقتصادي على المنطقة من ارتفاع الأسعار، وقلة المعروض من المواد الغذائية. قلت فرص العمل في ما يتعلّق بالأعمال التجارية، والحرفية، والمهنية كالطواف، والنقل، وحمل الأمتعة، والسقاية، وجميع الأعمال التي كان البسطاء يكسبون منها؛ وهذا بدوره زاد من عدد الفقراء والمحتاجين.
بعد استعراض مجريات الأحداث المحلية والدولية في منطقة الحجاز، وضح الباحث موقف الملك عبدالعزيز من هذه الأزمة، وحنكنه السياسية في معالجة الموقف، فقد جلالته استصدر فتوى من العلماء في نجد تحرم دخول الإخوان، وهم يحملون السلاح، وأعطى أهل مكة الأمان على أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم، واستدعى تجار مكة وناقش معهم الوضع الاقتصادي؛ لإيجاد حلول لهذه الأزمة، وأصدر فرماناً ببقاء العملات التجارية المالية حسب وضع الناس وظروفهم، وليس حسب ما تساويه العملة في وقت الاستقرار.
وعلى الجانب الإداري أسند شؤون الإخوان إلى خالد بن لؤي وجعله حاكماً عسكرياً، وجعل حافظ وهبة حاكماً مدنياً، والشريف هزاع العبدلي قائم مقام على بدو مكة، كما حرص على إشراك أهل الرأي من العلماء والأعيان والتجار من المجتمع المكي في إدارة شؤون البلاد، وأسس على ذلك مجلس الشورى الأهلي، كما طلب من قادة الإخوان التحرك بسرعة لفتح الطرق على البحر الأحمر باتجاه الليث والقنفذة جنوباً وشمالاً حتى وادي مر وعسفان. كما حدثت مواجهات بين الإخوان مع قبائل حرب، ثم أعقبتها حملات على جهات ضبا، وأملج، والوجه، ورابغ، وينبع النخل، وقد كان لذلك أثره في فتح الموانئ البحرية للتجارة ولقدوم الحجاج، كما أنها يسرت الطرق لمرور قوافل الداخل إليها.
علاوةً على ذلك وجه الملك خطاباً إلى جميع المسلمين يخبرهم باستتباب الأمن في الأماكن المقدسة، ويدعوهم للحج، وتكفل بتأمينهم وحمايتهم، كما اضطر الملك لبعث مندوبين إلى مصر والهند لإقناع الحجاج المسلمين بالحج مع اقتراب موسم حج 1343هـ - (1925م). نجح الملك عبدالعزيز رغم سوء الظروف التي حوله بإقناع العديد من الدول بالحج، وبدأت الوفود بالقدوم، ومن أهمها: حجاج الهند، حيث وصلت السفينة (جها نكير)، وعلى متنها 1200 حاج، وهي محملة بالبضائع، والسكر، والدقيق، والقمح، ثم وصلت السفينة (أكبر كرجستان)، وعلى متنها 895 حاجاً، و828 طرداً من البضائع، وتوالت وفود الحجاج من مناطق الجزيرة العربية.
كان لوصول البضائع والأرزاق أثره على الحجاج في تخفيف الأزمة الغذائية، وتحريك الوضع التجاري، فاستفاد السكان من أجور النقل، والسقاية، وحمل أمتعة الحجاج، والطوافة، والإسكان، وتبادل العملات. كما شدد الملك عبدالعزيز على التجار لمنع احتكار البضائع، وعدم التلاعب في أسعار العملات وقيمتها؛ لذلك قام بإصدار عملة رسمية، وسكَّ مجموعة من النقود ذات الفئة الصغيرة لتجاوز الأزمة.
تجلت في مناقشة موضوع الأزمة الغذائية التي مرت بها منطقة الحجاز وبخاصة مكة المكرمة في عهد الملك عبد العزيز، حسن إدارة الملك عبد العزيز للأزمات، وإنسانيته، فكما ذكر آل فايع أن الملك أخبر أهل مكة أن مئونة الجيش كانت من نجد، ولم يضغط على أهل الحجاز لتموينها. وفي تتبع معالجته للموقف القائم وتدرجه، وتنوع توجيهاته ما بين معالجة اقتصادية وسياسية واجتماعية، كان لهذه الحنكة دورها القوي في ميل السكان إليه، والإعجاب به، ومن ثم استتاب الأمن وقيام الدولة في هذا الجزء الحيوي منها. كذلك مقدرة الملك بدبلوماسيته في إدارة الازمة دولياً وجذب المسلمين للحج رغم التداعيات السيئة القائمة، مما كان له تأثيره القوي في كسب ولاء العالم الإسلامي له.
وفي الحقيقة أن تتبع الباحث للأزمة وأبعادها ومعالجتها للحدث وثائقياً، واعتماده على ما يصدر في بيانات صحيفة أم القرى، كان له دوره القوي في إثراء المادة العلمية. وسد فجوة في المكتبة السعودية حيال هذا الموضوع، ممكن أن ينطلق منها الباحثون لمعرفة الصعوبات التي واجهت الملك عبد العزيز في تلك الحقبة الزمنية رغم بساطة الإمكانيات وقلة ذات اليد. ولا يسعنا في هذا المقام إلا نقدم للباحث آل فايع الشكر، ونثمّن ما له من جهد حيال ما كتبه حول هذا الموضوع.
** **
د. مريم بنت خلف بن شديد العتيبي - جامعة الأمير سطام بن عبد العزيز- الخرج